سورة النحل - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


رغدا: كثيرا واسعا. بأنعم الله: بنعم الله.
في هاتين الآيتين مثلٌ يضربه الله لأهل مكة ولكل من يأتي بعدهم ممن يجحدون النعم وكفرون بها وهم آمنون مطمئنون ولا يعتبرون، فبين الله صفةً لقريةٍ كان اهلُها آمنين من العدو، يأتيها الرزق الكثير من كل مكان، فكفروا بنعم الله ولم يشركوه، فعاقبهم الله بالمصائب التي أحاطت بهم، وذاقوا مرارة الجوع والخوف عبد الغنى والأمن.
وقد جاءهم رسول منهم، فكذّبوه عناداً وحسدا، فأخذهم العذاب واستأصل شأفتهم، بسبب ظلمهم وكفرهم.
فهذا المثل ينطبق على أهل مكة حيث كانوا آمنين مطمئنين، فيها بيتُ الله الحرام وجميع العرب، يعظّونه ومَم دخَلَه كان آمنا لا يجرؤ احد على إيذائه، وكان الناس يصِلهم الأذى من حولهم، واهلُ مكة في حراسة البيت وحمايته آمنون مطمئنون كذلك كان رِزقهم يأتيهم من كل مكان مع الحجيج والقوافل منذ دعوة ابراهيم الخليل.
وجاءهم رسول منهم يعرفونه صادقاً أميناً بدعوهم إلى ما فيه كل الخير لهم وللناس أجمعين فكذّبوه، فأذهبُ اللهُ هيبتهم، ونصر رسوله عليهم، وعادت مكة إلى حظيرة الاسلام.


{فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله حَلالاً طَيِّباً واشكروا نِعْمَةَ الله إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
بعد أن بين الله حال الجاحدين بنعمة الله وكيف عاقبهم، يقول للمؤمنين: إذا كان المشركون يكفرون بنعم الله فيبدّلها بؤساً وعذابا، فكلوا ما رزقكم الله من الحلال، واشكروه على ما أنعم عليكم ان كنتم تعبدونه بإخلاص. وبعد أن امرهم بالاكل من الحلال الطيب بيّن ما حرم عليهم فقال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} تقدم تفسير هذه الآية في سورة البقرة وفي الآية 4 من سورة المائدة بأوسع من ذلك.
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب}.
ولا تحللوا ان تحروما كذباً وزورا دون استناد إلى دليل، لتفتروا الكذب على الله. ثم اوعد المفترين وهددهم اشد التهديد فقال: {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ}.
ان الذين يختلقون الكذب على الله من عند انفسهم لا يفوزون بيخر ولا فلاح.
ثم بين ان ما يحصل لهم من المنافع بالافتراء على الله ليس شيئا مذكورا إذا قيس بالضرر ا لذي يصحل منه فقال: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ان ما يحصل عليه من الفوائد بسبب جرأتهم وكذبهم شيء قليل من المنافع يتمتعون به، ولهم في الآخرة عذاب شديد.
{وعلى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
في هذه الآية اشارة إلى ما تقدم في سورة النساء: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ....} [النساء: 160] وما ظلمناهم بتحريم ذلك عليهم ولكن ظلموا انفسَهم بمعصيتهم لربهم وتجوزِهم حدوده.
ثم بين الله تعالى ان الافتراء على الله وانتهاك حرماته لا يمنع من التوبة التي يتقبلها الله منهم، ويغفر لهم رحمة منه وتفضلا فقال: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصلحوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الانعام: 54]، فمن تاب واصلح فان يغفر له، وباب التوبة عنده مفتوح دائما للخاطئين.


أمة: اماما، والامة: الرجل الجامع لخصال الخير. فانتا: مطيعا. حنيفا: مائلا عن الباطل، مستقيما. اجتباه: اختاره واصفاه.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين إلى قوله: لَمِنَ الصالحين}.
بعد أن بين ما حرم على اليهود خاصة، وكان مشركو قريش يدعون انهم على ملة ابراهيم فيما يحرموه على انفسم ويجعلونه لآلهتهم، يبين الله تعالى هنا حقيقة دين ابراهيم ثم بعد ذلك يأمر الرسول الكريم باتباعه.
ان ابراهيم كان إماماً جامعاً لكل الفضائل، مطيعاً لله متبعاً للحق، ولم يكن من المشركين، وكان موحِّداً ليس يهودياً ولا نصرانياً، شاكرا لنعمة ربه، اختاره للنبوة، وهذاه إلى الحق، وحبّبه إلى جميع الناس، فجميعُ أهل الاديان يعرتفون به وهو في الآخرة في زمرة الصالحين.
وبعد أن وصل ابراهيم بهذه الصفات الشريفة التي بلغت الغايةَ في علوم المرتبة- أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم باتباعه فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المشركين}.
ثم اوحينا اليك ايها النبي باتباع ملة ابراهيم الحنيفة السمحة الخصالة من الشرك والزيغ والضلال، وذلك كرمر الله تعالى قوله: {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} ثم نعى الله على اليهود ما اختلفوا فيه وهو يوم السبت فقال: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت على الذين اختلفوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
فاما تحريم السبت فهو خاص باليهود الذين اختفوا فيه، وليس من ديانة ابراهيم، وليس كذلك من ديانة محمد السائر على نهج ابراهيم، وان ربك ليفصل بين الفريقين في الخصومة والاختلاف ويجازي كل فريق بما يستحق من ثواب وعقاب.
وايراد هذه العبارة بين سابق الكلام ولاحقه انذار للمشركين وتهديد لهم بما في مخلافة الانبياء من عظيم الوبال، كما ذكر مثل القرية فيما سلف.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9